أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ما بعد سقوط كابول:

تبعات "عودة طالبان" بين خطر الإرهاب وتدفق اللاجئين

17 أغسطس، 2021


دخل مقاتلو حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابول، في 15 أغسطس الجاري، حيث تمكنت الحركة من إعادة السيطرة على كل مدن وأقاليم البلاد من أيدي قوات حكومة الرئيس أشرف غني الذي فر إلى الخارج. ومنذ توقيع اتفاق الدوحة بين واشنطن وطالبان في أواخر فبراير 2020، وإعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من أفغانستان بحلول مايو 2021، شهدت البلاد تقدماً ميدانياً لمقاتلي طالبان، استغلالاً لانسحاب القوات الأجنبية. 

ولم يتغير الأمر كثيراً بعد إعلان الرئيس جو بايدن، في مارس 2021، تأخير اتمام الانسحاب الأمريكي إلى ما قبل 11 سبتمبر المقبل، لكن تقدم طالبان الذي كان يحدث تدريجياً، تسارع بشكل غير متوقع في الأيام الماضية، وصولاً إلى سيطرتها على كامل البلاد، مع استسلام قوات الحكومة الأفغانية بسهولة وإلقائهم سلاحهم الذي بات بحوزة الحركة، وهو ما يزيد من التهديدات التي تفرضها طالبان.

دلالات مُفسرة:

تطرح سيطرة حركة طالبان السريعة على أفغانستان بعد دخولها العاصمة كابول، عدداً من الدلالات المهمة والتي ربما تُفسر هذه الخطوة السريعة، وأبرزها ما يلي:

1- الفشل الأمريكي في إعادة بناء الدولة الأفغانية: تطرح إعادة سيطرة طالبان على العاصمة كابول قضية فشل السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة في إعادة بناء الدولة في أفغانستان على مدى الـ 20 عاماً الماضية، وهو فشل مرده عدم استيعاب واشنطن طبيعة وخصوصية القيم السائدة في هذا البلد وموقع الدين الإسلامي فيه، فضلاً عن الفشل في بناء مؤسسات قوية لا تشوبها مظاهر الفساد والاستبداد. 

وكان أبرز مظاهر الفشل الأمريكي واضحاً في مسألة إعادة بناء الجيش الأفغاني على أسس حديثة واحترافية، وذلك على الرغم من إنفاق واشنطن ما يقرب من 89 مليار دولار لتدريب حوالي 300 ألف جندي أفغاني. وفي هذا الإطار، كشفت هيئة التفتيش المختصة بإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR)، في تقرير لها، أن القادة الرئيسيين في الجيش الأفغاني كانوا طوال السنوات الماضية يتصرفون كـ "أمراء حرب"، و"يعتبرون الجيش مؤسسة كبرى للحصول على المغانم، ويبنون من خلاله شبكات من المنافع والمحسوبيات". وبالتالي لم تجد طالبان أي صعوبة أو مقاومة في سعيها للسيطرة على كامل أفغانستان في خلال عدة أيام.

2- طمأنة طالبان الأطراف الخارجية: أظهرت حركة طالبان طوال السنوات الماضية تغليبها الطابع البرجماتي على توجهاتها الأيديولوجية، حيث حرصت على تقديم تطمينات للأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة الأفغانية وتقليل مخاوفها من نفوذ الحركة. فمن ناحية، طمأنت الحركة واشنطن أولاً عبر اتفاق الدوحة في فبراير 2020، بأنها لن تسمح باستخدام أفغانستان كقاعدة لشن هجمات تستهدف أمن دول أخرى. 

كما قدمت طالبان تطمينات لجيرانها في آسيا الوسطي، وهم حلفاء روسيا التقليديين، بأنها لا تشكل خطراً عليهم. وقال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في 11 أغسطس الجاري، إنه "من المهم لنا أن الحدود مع أوزبكستان وطاجيكستان أصبحت أيضاً تحت سيطرة طالبان"، مؤكداً أن طالبان تعهدت بعدم العبور إلى جمهوريات آسيا الوسطى.

ووصلت تطمينات قادة طالبان إلى الصين، وتعهدوا لها بأنهم لن يتدخلوا في شؤونها الداخلية، لاسيما فيما يتعلق بدعم أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينغيانغ. أما باكستان، فثمة اتهامات متواترة لها بدعم الحركة الأفغانية، وبالتالي فهي في غنى عن أي تطمينات.

وأخيراً، طمأنت طالبان الجار الإيراني والذي بالرغم من مخاوفه من حدوث تدفق كبير للاجئين الأفغان عبر الحدود إليه، يبدو أن مصالحه قد تلاقت مع الحركة الأفغانية في ظل عدائهما المشترك للولايات المتحدة، وهو ما قد يُمهد لمزيد من التعاون المستقبلي بين طهران وطالبان بعد سيطرة الأخيرة على الحكم.

وبعد دخولها العاصمة الأفغانية، أكدت حركة طالبان أنها تريد علاقات طبيعية مع المجتمع الدولي، ولا تريد أن تعيش في عزلة، وتعهدت بعدم وجود خطر يهدد السفارات والبعثات الدبلوماسية الأجنبية في كابول.

3- تحييد الحركة بعض القوى الداخلية: خلال السنوات الأخيرة، سعت حركة طالبان إلى تقليل المخاوف منها والانفتاح أكثر على المجتمع الأفغاني. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، في مقابلة مع وكالة "رويترز" في مطلع 2019: "إذا حل السلام وعادت طالبان فلن تكون بالأساليب القاسية نفسها كما كانت في 1996". وقد تمكنت طالبان من عقد عشرات التوافقات مع القوى الأهلية الأفغانية، من عشائر وزعماء المناطق ووجهاء المجتمع المحلي في العديد من المناطق، الذين رصدوا آلاف المقاتلين لصالح الحركة، في ضوء تلاقي المصالح بينهم. 

وبعد دخول مقاتلي طالبان العاصمة كابول يوم 15 أغسطس الجاري، حرص قادتها على توجيه رسائل طمأنة للشعب الأفغاني بشأن المرحلة المقبلة في البلاد، وقال المتحدث باسم الحركة، محمد نعيم، إن "الهدف هو تقاسم السلطة، وأن يكون البلد مستقراً".


مخاوف مُحتملة:

ثمة تداعيات متوقعة، وفي مجملها سلبية، بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، ويتمثل أبرزها في الآتي: 

1- عودة أفغانستان ملاذاً للتنظيمات الإرهابية: هناك مخاوف من تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية، مثل داعش "ولاية خرسان" والقاعدة في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد. وعلى الرغم من أن تنظيم داعش في أفغانستان قد تكون من عناصر انشقت عن طالبان، وخاض هؤلاء مواجهات ضد الحركة، فإن التنظيم أعلن لاحقاً دعمه طالبان باعتبارهما يستهدفان "نصرة الإسلام والجهاد ضد الغزاة"، على حد وصفهما. أما تنظيم القاعدة فقد أعلن زعيمه، أيمن الظواهري، مبايعته في عام 2017 الملا هبة الله أخوند زاده زعيماً لطالبان. 

وهكذا تتمثل أبرز المخاوف من عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان، في قوة الدفع التي ستعطيها هذه الخطوة لتنظيمات إرهابية في مناطق أخرى، على نحو يجعلها تحتذي بالحركة التي أصبحت ملهمة لها بعد أن تمكنت من الانتصار بعد نحو 20 عاماً من القتال. وبالتالي ربما تصبح أفغانستان بعد عودة طالبان، نقطة جذب لكثير من الشباب المتطرفين من دول أخرى، ومنها الشرق الأوسط، خاصة بعد تراجع تنظيم داعش في سوريا والعراق.

2- تفجر أزمة لاجئين جديدة: يواجه العالم الآن أزمة لاجئين جديدة قادمة من أفغانستان، تعيد إلى الذاكرة ما حدث في سوريا خلال السنوات الماضية، خاصة مع التوقعات بفرار ملايين الأفغان من ديارهم بسبب مخاوفهم من فرض طالبان حكومة قمعية. وطيلة الفترة الماضية، خرجت العديد من التحذيرات الدولية بشأن اندلاع أزمة إنسانية في أفغانستان، وارتفاع عدد النازحين واللاجئين المدنيين نتيجة الصراع في هذا البلد. وحثت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوم 13 أغسطس الجاري، المجتمع الدولي على تكثيف استجابته لأزمة النزوح واللجوء في أفغانستان، وناشدت البلدان المجاورة "إبقاء حدودها مفتوحة".

وتعد إيران من الدول التي تستقبل عدداً كبيراً من الأفغان الهاربين من العنف في بلادهم، حيث يُقدر عددهم قبل سيطرة طالبان على كامل البلاد بنحو 3 ملايين لاجئ أفغاني. وقد تسهل طهران عبور هؤلاء اللاجئين إلى دول أخرى، خاصة في ظل أزمتها الاقتصادية على خلفية العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي. 

كما أصبحت تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، لاسيما فرنسا وألمانيا، في حالة تأهب قصوى، خشية موجة لاجئين قادمة من أفغانستان. ولذا أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، يوم 16 أغسطس الجاري، أن ألمانيا والدول الأخرى يجب أن تقدم الدعم للدول التي ستستضيف الأفغان الفارين من بلادهم. وأكدت أن هناك تنسيقاً مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بشأن عمليات الإجلاء التي ستشمل بعض المواطنين الأفغان.

3- تراجع المكاسب المدنية في أفغانستان: على الرغم من محاولة حركة طالبان طمأنة الشعب الأفغاني بعد سيطرتها على الحكم، وتعهدها باحترام حقوق المرأة والأقليات وحرية التعبير في ضوء الشريعة، فإن تجربه الحركة السابقة في حكم البلاد قبل عقدين لا تزال تنعكس على صورتها السلبية لدى غالبية قطاعات المجتمع الأفغاني، خاصة النساء اللاتي يخشين خسارة المكاسب العديدة التي حققنها وضياع الحريات التي حصلن عليها خلال 20 عاماً مضت. وكانت طالبان قد فرضت عند توليها السلطة (1996-2001) نظاماً متشدداً، ومنعت خلال هذه الفترة النساء من التعلم والعمل.


إجمالاً، يمكن القول إن أفغانستان دخلت مرحلة جديدة من تاريخها المضطرب، بعد أن سيطرت حركة طالبان على البلاد، وهروب الرئيس أشرف غني إلى الخارج، وهي التطورات التي أثارت مخاوف العالم، خاصة الدول التي قد تطالها تبعات عودة طالبان للحكم مرة أخرى.